مع اختتام الانتخابات الفيدرالية الألمانية أخيراً، أصبحت الأحزاب الآن مكلفة بتحديد من سيحل محل أنجيلا ميركل في منصب المستشار. بعد انتهاء رئاسة ميركل لأقوى دولة في الاتحاد الأوروبي، والتي استمرت 16 عاماً، احتل حزبها «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» (CDU) الذي ينتمي إلى يمين الوسط المرتبة الثانية بعد «الحزب الديمقراطي الاجتماعي» (SPD) الذي ينتمي إلى يمين الوسط. وستظل ميركل في السلطة حتى تنتهي مفاوضات الائتلاف، ولكن للمرة الأولى منذ عقود ستكون هناك حاجة لثلاثة أحزاب لتشكيل ائتلاف حاكم.
إن تشكيل ائتلاف يضم ثلاثة أحزاب يعطي قوةً غير عادية لحزبين صغيرين: حزب الخضر (الذي حصل على 14.8%) والحزب الديمقراطي الحر (FDP) الذي حصل على 11.5%. وسيعمل هذان الحزبان –وكلاهما ليبرالي اجتماعياً ولكنهما منقسمان بشأن الاقتصاد– على حل الخلافات السياسية وإيجاد قواسم مشتركة. وفي غضون ذلك، سينتظر أولاف شولتز والحزب الديمقراطي الاجتماعي الذي تفوق على الاتحاد الديمقراطي المسيحي بزعامة ميركل بواقع 1.5 نقطة، مكالمة هاتفية.
ويتوقع النقاد أن الحكومة الأكثر احتمالاً ستكون تحالفاً يشبه «إشارة المرور» –الأحمر للحزب الديمقراطي الاجتماعي والأصفر للحزب الديمقراطي الحر والأخضر لحزب الخضر. ومع ذلك، سيجتمع الاتحاد الديمقراطي المسيحي أيضاً مع الحزب الديمقراطي الحر، ومن غير المحتمل، لكن من الممكن أن يواصل الاتحاد الديمقراطي المسيحي التفاوض ليكون جزءاً من ائتلاف «الألوان» الحاكم (الأخضر والأصفر والأسود.. وهو لون الاتحاد الديمقراطي المسيحي)، إذا اختار حزب الخضر والحزب الديمقراطي الحر الحكم معه بدلاً من ذلك.
وقد يعني وجود ثلاثة أحزاب حاكمة جموداً في صنع السياسات، حيث إن المزيد من الأصوات يعني احتمال نشوب مزيد من الشجار. ومع ذلك، فإن التحالف متعدد الأحزاب يشير إلى حقبة جديدة في السياسة الألمانية، ومن خلاله سيكون المشهد السياسي مجزأً، وستستمر الأحزاب الصغيرة في التنافس على الأصوات.
على أقل تقدير، كانت خسارة الاتحاد الديمقراطي المسيحي بمثابة رفض واضح لمرشحه لتولي منصب المستشار أرمين لاشيت، الذي يشتهر بأنه عرضة لارتكاب أخطاء. كما أن الحزب الذي اعتاد على حكم ألمانيا بقيادة ميركل قد وصل إلى مرحلة الحساب بعد أن شهد تراجعاً بمقدار 9 نقاط مقارنة بالانتخابات الفيدرالية لعام 2017.
ورغم ذلك، فإن النتيجة ليست رفضاً واضحاً لسياسات الاتحاد الديمقراطي المسيحي الرئيسية. لكن شولتز، من الحزب الديمقراطي الاجتماعي، هو مؤيد للأعمال، ويميل بشكل عام لليمين من منصة حزبه التابع لليسار الوسط.
يقول آرون ألين، المحلل في مركز تحليل السياسة الأوروبية: «سيكون تحالف إشارات المرور بالتأكيد انتقالاً إلى يسار الوسط، لكن بتوجيه من الحزب الديمقراطي الحر الموجَّه نحو السوق الحر. وبالنسبة لشولتز (المنافس الرئيسي لتولي منصب المستشار)، فهو سياسي ذو خبرة وكفاءة، ولا أعتقد أنه سيسبب إزعاجاً كبيراً».
لكن، مع انجذاب الناخبين لأول مرة بهذا القدر من الأصوات إلى حزب الخضر والحزب الديمقراطي الحر، هناك إشارة واضحة على أن المشهد السياسي في ألمانيا قد تحول بشكل كبير بعيداً عن الأحزاب التقليدية الكبيرة.
وفي مؤتمر صحفي في وقت سابق من هذا الأسبوع، أشار شولتز إلى أنه يجب تشكيل حكومة ائتلافية «بحلول عيد الميلاد». أي أنه لا يزال هناك ثلاثة أشهر طويلة، وفي أثناء ذلك، سيتم عقد أحداث مهمة مثل مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ في جلاسكو باسكتلندا. وتواجه ألمانيا أيضاً تحديات مهمة مثل الإدارة المستمرة لتفشي «كوفيد-19»، وكيف يمكنها التعامل مع عجز بمليارات الدولارات نتيجة لانتشار الجائحة.
ستستمر ميركل في تولي منصب المستشارة حتى إعلان حكومة جديدة، وسيضمن وجودُها حتى ذلك الحين الاستمرارية. تقول جودي ديمبسي، زميلة بارزة في معهد كارنيجي أوروبا: «لكن الاتحاد الأوروبي في حالة سيئة للغاية، لأنه ليس لدينا توجه أو أفكار استراتيجية حول ما نريد أن نكون، أو كيف نريد تجديد العلاقة عبر الأطلسي». وأضافت: «نحن أيضاً منقسمون بشدة بشأن الصين، وبحاجة إلى توجيهات حول كيفية تناولنا لهذه التحديات الكبرى».
وبالرغم من ذلك، فإن تحالف إشارات المرور الأكثر ترجيحاً لن يتخلى تماماً عن السياسات السابقة، لذلك، إذا حافظت ميركل على المسار خلال الأشهر الثلاثة القادمة، سيكون هو المسار السائد في أي حكومة تأتي بعد ذلك.
لكن يتعين انتظار التفاصيل الدقيقة حول أين تكمن أولويات ألمانيا، وكيف ترى القيادة مسؤولياتها فيما يتعلق بالاتحاد الأوروبي والتحالفات العالمية. وكلما سارعت ألمانيا في المضي قدماً على الطريق، كان ذلك أفضل لأوروبا.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»